الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة) بكسر المهملة وتشديد الكاف: نوع من الجرب أعاذنا الله تعالى منه، وذكر الحكة مثالا لا قيدا، وقد ترحم له في الجهاد " الحرير للجرب " وتقدم أن الراجح أنه بالمهملة وسكون الراء. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا الشرح: قوله: (حدثني محمد) كذا للأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي علي بن السكن " حدثنا محمد بن سلام " وبه جزم المزي في الأطراف. قوله: (عن أنس) وقع في رواية يحيى القطان عن شعبة عن قتادة " سمعت أنسا " وقد تقدمت في الجهاد. قوله: (للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما) أي لأجل الحكة. وفي رواية سعيد عن قتادة " من حكة كانت بهما " وفي رواية همام عن قتادة أنهما شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل، وقد تقدمنا في الجهاد، وكأن الحكة نشأت من أثر القمل، وتقدمت مباحثه في كتاب الجهاد، قال الطبري: فيه دلالة على أن النهي عن لبس الحرير لا يدخل فيه من كانت به علة يخففها لبس الحرير انتهى. ويلتحق بذلك ما يقي من الحر أو البرد حيث لا يوجد غيره، وقد تقدم في الجهاد أن بعض الشافعية خص الجواز بالسفر دون الحضر، واختاره ابن الصلاح، وخصه النووي في " الروضة " مع ذلك بالحكة ونقله الرافعي في القمل أيضا. (تنبيه) : وقع في " الوسيط للغزالي " أن الذي رخص له في لبس الحرير حمزة بن عبد المطلب، وغلطوه. وفي وجه للشافعية أن الرخصة خاصة بالزبير وعبد الرحمن، وقد تقدم في الجهاد عن عمر ما يوافقه. الشرح: قوله: (باب الحرير للنساء) كأنه لم يثبت عنده الحديثان المشهوران في تخصيص النهي بالرجال صريحا فاكتفى بما يدل على ذلك. وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا وذهبا فقال: هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثهم " وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الترمذي والحاكم من حديث موسى وأعله ابن حبان وغيره بالانقطاع وأن رواية سعيد بن أبي هند لم تسمع من أبي موسى. وأخرج أحمد والطحاوي وصححه من حديث مسلمة بن مخلد أنه قال لعقبة بن عامر: قم فحدث بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " سمعته يقول: الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فالذي يظهر أنه سبحانه وتعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته، ولأن تزيينهن غالبا إنما هو للأزواج، وقد ورد أن " حسن التبعل من الإيمان " قال، ويستنبط من هذا أن الفحل لا يصلح له أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكون ذلك من صفات الإناث. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَسَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي الشرح: قوله: (عن عبد الملك بن ميسرة) بفتح الميم وتحتانية ساكنة ثم مهملة هو الهلالي أبو زيد الزراد بزاي ثم راء ثقيلة، وقد تقدم في النفقات من وجه آخر عن شعبة أخبرني عبد الملك، ولشعبة فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من رواية معاذ عنه عن أبي عون الثقفي عن أبي صالح الحنفي عن علي. قوله: (عن زيد بن وهب) كذا للأكثر، وتقدم كذلك في الهبة والنفقات. وكذا عند مسلم، ووقع في رواية علي بن السكن هنا وحده عن النزال بن سبرة بدل زيد بن وهب وهو وهم، كأنه انتقل من حديث إلى حديث لأن رواية عبد الملك عن النزال عن علي إنما هي في الشرب قائما كما تقدم في الأشربة، وقد وافق الجماعة في الموضعين الآخرين، وزيد بن وهب هو الجهني الثقة المشهور من كبار التابعين، وما له في البخاري عن علي سوى هذا الحديث، وتقدم في الهبة بلفظ " سمعت زيد بن وهب". قوله: (أهدى) بفتح أوله. قوله: (إلي) بتشديد الياء ووقع في رواية أبي صالح المذكورة " أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة فبعث بها إلي " ولمسلم أيضا من وجه آخر عن أبي صالح عن علي " أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا " وفي رواية للطحاوي " أهدى أمير أذربيجان إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير " وسنده ضعيف. قوله: (حلة سيراء) قال أبو عبيد الحلل برود اليمن، والحلة إزار ورداء، ونقله ابن الأثير وزاد إذا كان من جنس واحد. وقال ابن سيده في المحكم الحلة برد أو غيره، وحكى عياض أن أصل تسمية الثوبين حلة أنهما يكونان جديدين كما حل طيهما، وقيل: لا يكون الثوبان حلة حتى يلبس أحدهما فوق الآخر، فإذا كان فوقه فقد حل عليه والأول أشهر، والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية والراء مع المد، قال الخليل: ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء، وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد، وعنباء لغة في العنب، قال مالك: هو الوشي من الحرير، كذا قال، والوشي بفتح الواو وسكون المعجمة بعدها تحتانية. وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها. وقال الخليل: ثوب مضلع بالحرير وقيل: مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور. ووقع عند أبي داود في حديث أنس " أنه رأى على أم كلثوم حلة سيراء " والسيراء المضلع بالقز، وقد جزم ابن بطال كما سيأتي في ثالث أحاديث الباب أنه من تفسير الزهري. وقال ابن سيده: هو ضرب من البرود، وقيل ثوب مسير فيه خطوط يعمل من القز، وقيل: ثياب من اليمن. وقال الجوهري: برد فيه خطوط صفر، ونقل عياض عن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسما، وهو الحرير الصافي واختلف في قوله " حلة سيراء " هل هو بالإضافة أو لا، فوقع عند الأكثر بتنوين حلة على أن سيراء عطف بيان أو نعت، وجزم القرطبي بأنه الرواية. وقال الخطابي: قالوا حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء، ونقل عياض عن أبي مروان بن السراج أنه بالإضافة، قال عياض: وكذا ضبطناه عن متقني شيوخنا. وقال النووي إنه قول المحققين ومتقني العربية وإنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز. قوله: (فخرجت فيها) في رواية أبي صالح عن علي " فلبستها". قوله: (فرأيت الغضب في وجهه) زاد مسلم في رواية أبي صالح " فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء " وله في أخرى " شققها خمرا بين الفواطم". قوله: (فشققتها بين نسائي) أي قطعتها ففرقتها عليهن خمرا، والخمر بضم المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف: ما تغطي به المرأة رأسها، والمراد بقوله: " نسائي " ما فسره في رواية أي صالح حيث قال: " بين الفواطم " ووقع في رواية النسائي حيث قال: " فرجعت إلى فاطمة فشققتها، فقالت: ماذا جئت به؟ قلت نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبسها فالبسيها واكسي نساءك " وفي هذه الرواية أن عليا إنما شققها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد بن قتيبة: المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد بن هاشم والدة علي ولا أعرف الثالثة. وذكر أبو منصور الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب. وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في " كتاب الهدايا " وعبد الغني بن سعيد في " المبهمات " وابن عبد البر كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم - بتحتانية أوله ثم راء وزن عظيم - عن علي في نحو هذه القصة قال: " فشققت منها أربعة أخمرة " فذكر الثلاث المذكورات، قال: ونسي يزيد الرابعة. وفي رواية الطحاوي " خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي، وخمارا لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها " فقال عياض لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل: بنت عتبة بن ربيعة، وقيل: بنت الوليد بن عتبة. وامرأة عقيل هذه هي التي لما تخاصمت مع عقيل بعث عثمان معاوية وابن عباس حكمين بينهما ذكره مالك في " المدونة " وغيره، واستدل بهذا الحديث على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الحلة إلى علي فبنى علي على ظاهر الإرسال فانتفع بها في أشهر ما صنعت له وهو اللبس، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبح له لبسها وإنما بعث بها إليه ليكسوها غيره ممن تباح له، وهذا كله إن كانت القصة وقعت بعد النهي عن لبس الرجال الحرير، وسيأتي مزيد لهذا في الحديث الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ ابْتَعْتَهَا تَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ إِذَا أَتَوْكَ وَالْجُمُعَةِ قَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ حَرِيرٍ كَسَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ فَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا الشرح: قوله: (جويرية) بالجيم والراء مصغر وبعد الراء تحتانية مفتوحة. قوله: (عن عبد الله) هو ابن عمر. قوله: (أن عمر رأى حلة سيراء) هكذا رواه أكثر أصحاب نافع، وأخرجه النسائي من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه " رأى حلة " فجعله في مسند عمر. قال الدار قطني: المحفوظ أنه من مسند ابن عمر. وسيراء تقدم ضبطها وتفسيرها في الحديث الذي قبله. ووقع في رواية مالك عن نافع كما تقدم في كتاب الجمعة أن ذلك كان على باب المسجد. وفي رواية ابن إسحاق عن نافع عند النسائي " أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فرأى الحلة " ولا تخالفه بين الروايتين، لأن طرف السوق كان يصل إلى قرب باب المسجد. قوله: (تباع) في رواية جرير بن حازم عن نافع عند مسلم " رأى عمر عطاردا التميمي يقيم حلة بالسوق، وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم " وأخرج الطبراني من طريق أبي مجلز عن حفصة بنت عمر " أن عطارد بن حاجب جاء بثوب من ديباج كساه إياه كسرى، فقال عمر: ألا أشتريه لك يا رسول الله "؟ ومن طريق عبد الرحمن بن عمرو بن معاذ عن عطارد نفسه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كساه إياه كسرى، والجمع بينهما أن عطاردا لما أقامه في السوق ليباع لم يتفق له بيعه فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم. وعطارد هذا هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس بمهملات الدارمي يكنى أبا عكرشة بشين معجمة، كان من جملة وفد بني تميم أصحاب الحجرات، وقد أسلم وحسن إسلامه واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه، وكان أبوه من رؤساء بني تميم في الجاهلية، وقصته مع كسرى في رهنه قوسه عوضا عن جمع كثير من العرب عند كسرى مشهورة حتى ضرب المثل بقوس حاجب. قوله: (لو ابتعتها فلبستها) في رواية سالم عن ابن عمر كما تقدم في العيدين " ابتع هذه فتجمل بها " وكان عمر أشار بشرائها وتمناه. قوله: (للوفد إذا أتوك) في رواية جرير بن حازم " لوفود العرب " وكأنه خصه بالعرب لأنهم كانوا إذ ذاك الوقود في الغالب، لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم فكانت كل قبيلة ترسل كبراءها ليسلموا ويتعلموا ويرجعوا إلى قومهم فيدعوهم إلى الإسلام ويعلموهم. قوله (والجمعة) في رواه سالم " العيد " بدل " الجمعة " وجمع ابن إسحاق عن نافع ما تضمنته الروايتان، أخرجه النسائي بلفظ " فتجمل بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد وغيره". قوله: (إنما يلبس هذه) في رواية جرير بن حازم " إنما يلبس الحرير". قوله: (من لا خلاق له) زاد مالك في روايته " في الآخرة". والخلاق النصيب وقيل: الحظ وهو المراد هنا، ويطلق أيضا على الحرمة وعلى الدين، ويحتمل أن يراد من لا نصيب له في الآخرة أي من لبس الحرير قاله الطيبي، وقد تقدم في حديث أبي عثمان عن عمر في أول حديث من " باب لبس الحرير " ما يؤيده ولفظه " لا يلبس الحرير إلا من ليس له في الآخرة منه شيء". قوله: (وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء) زاد الإسماعيلي من هذا الوجه، " بحلة سيراء من حرير " ومن بيانية وهو يقتضي أن السيراء قد تكون من غير حرير. قوله: (كساها إياه) كذا أطلق، وهي باعتبار ما فهم عمر من ذلك، وإلا فقد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث إليه بها ليلبسها، أو المراد بقوله كساه أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة. وفي رواية مالك الماضية في الجمعة " ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر حلة " وفي رواية جرير بن حازم " فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة " وعرف بهذا جهة الحلة المذكورة في حديث علي المذكور أولا. قوله: (فقال عمر كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت) في رواية جرير بن حازم " فجاء عمر بحلته يحملها فقال: بعثت إلي بهذه وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت " والمراد بالأمس هنا يحتمل الليلة الماضية أو ما قبلها بحسب ما اتفق من وصول الحلل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قصة حلة عطارد. وفي رواية محمد بن إسحاق " فخرجت فزعا فقلت: يا رسول الله ترسل بها إلي وقد قلت فيها ما قلت". قوله: (إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو تكسوها) في رواية جرير " لتصيب بها " وفي رواية الزهري عن سالم كما مضى في العيدين " تبيعها وتصيب بها حاجتك " وفي رواية يحيي بن إسحاق عن سالم كما سيأتي في الأدب " لتصيب بها مالا " وزاد مالك في آخر الحديث " فكساها عمر أخا له بمكة مشركا " زاد في رواية عبيد الله بن عمر العمري عند النسائي " أخا له من أمه " وتقدم في البيوع من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر " فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم " قال النووي هذا يشعر بأنه أسلم بعد ذلك. قلت: ولم أقف على تسمية هذا الأخ إلا فيما ذكره ابن بشكوال في " المبهمات " نقلا عن ابن الحذاء في رجال الموطأ فقال: اسمه عثمان بن حكيم، قال الدمياطي: هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص، قال: وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه. فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب. قلت: بل له وجه بطريق المجاز. ويحتمل أن يكون عمر ارتضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان أخا عمر لأمه من الرضاع وأخا زيد لأمه من النسب. وأفاد ابن سعد أن والدة سعيد بن المسيب هي أم سعيد بن عثمان بن الحكم، ولم أقف على ذكره في الصحابة، فإن كان أسلم فقد فاتهم، فليستدرك، وإن كان مات كافرا وكان قوله: " قبل أن يسلم " لا مفهوم له، بل المراد أن البعث إليه كان في حال كفره مع قطع النظر عما وراء ذلك، فلتعد بنته في الصحابة. وفي حديث جابر الذي أوله " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في قباء حرير ثم نزعه فقال نهاني عنه جبريل " كما تقدم التنبيه عليه في أوائل كتاب الصلاة زيادة عند النسائي وهي " فأعطاه لعمر، فقال: لم أعطكه لتلبسه بل لتبيعه، فباعه عمر " وسنده قوي وأصله في مسلم، فإن كان محفوظا أمكن أن يكون عمر باعه بإذن أخيه بعد أن أهداه له، والله أعلم. (تنبيه) : وجه إدخال هذا الحديث في " باب الحرير للنساء " يؤخذ من قوله لعمر " لتبيعها أو تكسوها " لأن الحرير إذا كان لبسه محرما على الرجال فلا فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك فينحصر الإذن في النساء، وأما كون عمر كساها أخاه فلا يشكل على ذلك عند من يرى أن الكافر مخاطب بالفروع ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة، ويمكن من يرى أن الكافر غير مخاطب أن ينفصل عن هذا الإشكال بالتمسك بدخول النساء في عموم قوله أو يكسوها أي إما للمرأة أو للكافر بقرينة قوله: " إنما يلبس هذا من لا خلاق له " أي من الرجال. ثم ظهر لي وجه آخر وهو أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكورة فقد أخرج الحديث المذكور الطحاوي من رواية أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال: " أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عطارد حلة فكرهها له ثم أنه كساها عمر مثله " الحديث، وفيه " إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء " واستدل به على جواز لبس المرأة الحرير الصرف بناء على أن الحلة السيراء هي التي تكون من حرير صرف، قال ابن عبد البر: هذا قول أهل العلم، وأما أهل اللغة فيقولون: هي التي يخالطها الحرير، قال: والأول هو المعتمد. ثم ساق من طريق محمد بن سيرين عن ابن عمر نحو حديث الباب وفيه " حلة من حرير " وقال ابن بطال: دلت طرق الحديث على أن الحلة المذكورة كانت من حرير محض، ثم ذكر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر " أن عمر قال: يا رسول الله، إني مررت بعطارد يعرض حلة حرير للبيع " الحديث أخرجه أبو عوانة والطبري بهذا اللفظ. قلت: وتقدم في البيوع من طريق أبي بكر بن حفص عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " حلة حرير أو سيراء"، وفي العيدين من طريق الزهري عن سالم " حلة من استبرق " وقد فسر الإستبرق في طريق أخرى بأنه ما غلظ من الديباج، أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى بن إسحاق قال: " سألني سالم عن الإستبرق فقلت: ما غلظ من الديباج، فقال: سمعت عبد الله بن عمر " فذكر الحديث. ووقع عند مسلم من حديث أنس في نحو هذه القصة " حلة من سندس " قال النووي: هذه الألفاظ تبين أن الحلة كانت حريرا محضا قلت: الذي يتبين أن السيراء قد تكون حريرا صرفا وقد تكون غير محض، فالتي في قصة عمر جاء التصريح بأنها كانت من حرير محض ولهذا وقع في حديثه " إنما يلبس هذه من لا خلاق له"، والتي في قصة على لم تكن حريرا صرفا لما روى ابن أبي شيبة من طريق أبي فاختة عن هبيرة بن يريم عن علي قال: " أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها أو لحمتها. فأرسل بها إلي فقلت: ما أصنع بها، ألبسها؟ قال: لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي، ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم " وقد أخرجه أحمد وابن ماجه من طريق ابن إسحاق عن هبيرة فقال فيه: " حلة من حرير " وهو محمول على رواية أبي فاختة وهو بفاء ومعجمة ثم مثناة اسمه سعيد بن علاقة بكسر المهملة وتخفيف اللام ثم قاف، ثقة، ولم يقع في قصة علي وعيد على لبسها كما وقع في قصة عمر، بل فيه " لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي " ولا ريب أن ترك لبس ما خالطه الحرير أولى من لبسه عند من يقول بجوازه والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ الشرح: حديث أنس أنه " رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء " هكذا وقع في رواية شعيب عن الزهري ووافقه الزبيدي كما تقدمت الإشارة إليه في " باب مس الحرير من غير لبس " وأخرجه النسائي من رواية ابن جريج عن الزهري كالأول، ومن طريق معمر عن الزهري نحوه لكن قال زينب بدل أم كلثوم، والمحفوظ ما قال الأكثر، وقد غفل الطحاوي فقال: إن كان أنس رأى ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيعارض حديث عقبة، يعني الذي أخرجه النسائي وصححه ابن حبان " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحرير والحلة " وإن كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان دليلا على نسخ حديث عقبة، كذا قال، وخفي عليه أن أم كلثوم ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك زينب فبطل التردد، وأما دعوى المعارضة فمردودة، وكذا النسخ. والجمع بينهما واضح بحمل النهي في حديث عقبة على التنزيه وإقرار أم كلثوم على ذلك إما لبيان الجواز وإما لكونها كانت إذ ذاك صغيرة، وعلى هذا التقدير فلا إشكال في رواية أنس لها، وعلى تقدير أن تكون كانت كبيرة فيحمل على أن ذلك كان قبل الحجاب أو بعده، لكن لا يلزم من رؤية الثوب على اللابس رؤية اللابس فلعله رأى ذيل القميص مثلا، ويحتمل أيضا أن السيراء التي كانت على أم كلثوم كانت من غير الحرير الصرف كما تقدم في حلة علي، والله أعلم. واستدل بأحاديث الباب على جواز لبس الحرير للنساء سواء كان الثوب حريرا كله أو بعضه، وفي الأول عرض المفضول على الفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه ممن يظن أنه لم يطلع عليه، وفيه إباحة الطعن لمن يستحقه، وفيه جواز البيع والشراء على باب المسجد، وفيه مباشرة الصالحين والفضلاء البيع والشراء. وقال ابن بطال فيه ترك النبي صلى الله عليه وسلم لباس الحرير وهذا في الدنيا. وإرادة تأخير الطيبات إلى الآخرة التي لا انقضاء لها، إذ تعجيل الطيبات في الدنيا ليس من الحزم، فزهد في الدنيا للآخرة، وأمر بذلك، ونهى عن كل سرف وحرمه. وتعقبه ابن المنير بأن تركه صلى الله عليه وسلم لبس الحرير إنما هو لاجتناب المعصية، وأما الزهد فإنما هو في خالص الحلال وما لا عقوبة فيه، فالتقلل منه وتركه مع الإمكان هو الذي تتفاضل فيه درجات الزهاد. قلت: ولعل مراد ابن بطال بيان سبب التحريم فيستقيم ما قاله. وفيه جواز بيع الرجال الثياب الحرير وتصرفهم فيها بالهبة والهدية لا اللبس. وفيه جواز صلة القريب الكافر والإحسان إليه بالهدية. وقال ابن عبد البر: فيه جواز الهدية للكافر ولو كان حربيا. وتعقب بأن عطاردا إنما وفد سنة تسع ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك. وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلة كانت حينئذ بل جاز أن تكون قبل ذلك. وما زال المشركون يقدمون المدينة ويعاملون المسلمين بالبيع وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود فيحتمل أن يكون في المدة التي كانت بين الفتح وحج أبي بكر، فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر سنة تسع ففيها وقع النهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، واستدل به على أن الكافر ليس مخاطبا بالفروع لأن عمر لما منع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك ولم ينكر عليه، وتعقب بأنه لم يأمر أخاه بلبسها فيحتمل أن يكون وقع الحكم في حقه كما وقع في حق عمر فينتفع بها بالبيع أو كسوة النساء ولا يلبس هو. وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعي ما يحمله بعد العلم بالنهي عن الكف، بخلاف الكافر فإن كفره يحمله على عدم الكف عن تعاطي المحرم، فلولا أنه مباح له لبسه لما أهدى له لما في تمكينه من الإعانة على المعصية، ومن ثم يحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمرا وأن احتمل أنه قد يشربه عصيرا، وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية لكن يحتمل أن يكون ذلك على أصل الإباحة، وتكون مشروعية خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط) معنى قوله: " يتجوز " يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، أو لا يضيق بطلب النفيس والغالي، بل يستعمل ما تيسر، ووقع في رواية الكشميهني " يتجزى " بجيم وزاي أيضا لكنها ثقيلة مفتوحة بعدها ألف وهي أوضح، والبسط بفتح الموحدة ما يبسط ويجلس عليه. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ فَنَزَلَ يَوْماً مَنْزِلاً فَدَخَلَ الْأَرَاكَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ قَالَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئاً فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقّاً مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ فَأَغْلَظَتْ لِي فَقُلْتُ لَهَا وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ قَالَتْ تَقُولُ هَذَا لِي وَابْنَتُكَ تُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا إِنِّي أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِي أَذَاهُ فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ قَدْ دَخَلْتَ فِي أُمُورِنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَرَدَّدَتْ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَقَامَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ كُنَّا نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِالْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ يَقُولُ إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ قُلْتُ لَهُ وَمَا هُوَ أَجَاءَ الْغَسَّانِيُّ قَالَ أَعْظَمُ مِنْ ذَاكَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَجِئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهِنَّ كُلِّهَا وَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَعِدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِي فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ وَقَرَظٌ فَذَكَرْتُ الَّذِي قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالَّذِي رَدَّتْ عَلَيَّ أُمُّ سَلَمَةَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِثَ تِسْعاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ الشرح: حديث ابن عباس في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا، وقد تقدم شرحه في الطلاق مستوفى والغرض منه نومه صلى الله عليه وسلم على حصير وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف، وقوله في هذه الرواية: " مرفقة " بكسر أوله وسكون الراء وفتح الفاء بعدها قاف ما يرتفق به، وقد تقدم في الرواية الأخرى بلفظ " وسادة " وقوله: " فما شعرت بالأنصاري وهو يقول قد حدث أمر " في رواية الكشميهني " فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول " وفي نسخة عنه " فما شعرت بالأنصاري إلا وهو يقول " قال الكرماني: سقط حرف الاستثناء من جل النسخ بل من كلها، وهو مقدر والقرينة تدل عليه، أو " ما " زائدة والتقدير شعرت بالأنصاري وهو يقول، أو ما مصدرية وتكون هي المبتدأ وبالأنصاري الخبر أي شعوري متلبس بالأنصاري قائلا. قلت: ويحتمل أن تكون ما نافية على حالها بغير احتياج لحرف الاستثناء، والمراد المبالغة في نفي شعوره بكلام الأنصاري من شدة ما دهمه من الخبر الذي أخبر به، ويكون قد استثبته فيه مرة أخرى، ولذلك نقله عنه، لكن رواية الكشميهني ترجح الاحتمال الأول وتوضح أن قول الكرماني بل كلها ليس كذلك، وقوله: " وعلى باب المشربة وصيف " بمهملة وفاء وزن عظيم هو الغلام دون البلوغ وقد يطلق على من بلغ الخدمة، يقال وصف الغلام بالضم وصافة. وقول عمر: " فتقدمت إليها في أذاه " أي أنذرتها من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقع من العقوبة بسبب أذاه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتْنَةِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِي كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا الشرح: قوله: (كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) قال ابن بطال قرن النبي صلى الله عليه وسلم نزول الخزائن بالفتنة إشارة إلى أنها تسبب عنها، وإلى أن القصد في الأمر خير من الإكثار وأسلم من الفتنة، ومطابقة حديث أم سلمة هذا للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم حذر من لباس الرقيق من الثياب الواصفة لأجسامهن لئلا يعرين في الآخرة، وفيما حكاه الزهري عن هند ما يؤيد ذلك قال: وفيه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلبس الثياب الشفافة لأنه إذا حذر من لبسها من ظهور العورة كان أولى بصفة الكمال من غيره ا هـ، وهو مبني على أحد الأقوال في تفسير المراد بقوله: " كاسية عارية " كما سيأتي بيانه في كتاب الفتن، ويحتمل أن يكون الحديثان دالين على الترجمة بالتوزيع. فحديث عمر مطابق للبسط وحديث أم سلمة مطابق للباس، والمراد بقوله يتجزى أي فيما يتعلق بنفسه وبأهله. قوله: (قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها) هو موصول بالإسناد المذكور إلى الزهري، وقوله: " أزرار " وقع للأكثر وفي رواية أبي أحمد الجرجاني " إزار " براء واحدة وهو غلط، والمعنى أنها كانت تخشى أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كميها فكانت تزرر ذلك لئلا يبدو منه شيء فتدخل في قوله صلى الله عليه وسلم "كاسية عارية". *3* الشرح: قوله: (باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا) كأنه لم يثبت عنده حديث ابن عمر قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا فقال: البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا " أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان، وأعله النسائي. وجاء أيضا فيما يدعو به من لبس الثوب الجديد أحاديث: منها ما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي سعيد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له أعوذ بك من شره وشر ما صنع له " وأخرج الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عمر رفعه " من لبس جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي - ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به - كان في حفظ الله وفي كنف الله حيا وميتا " وأخرج أحمد والترمذي وحسنه من حديث معاذ بن أنس رفعه " من لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه" الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ قَالَ مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ قَالَ ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ وَقَالَ أَبْلِي وَأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا وَيَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ الْحَسَنُ قَالَ إِسْحَاقُ حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ الشرح: حديث أم خالد بنت سعيد تقدم شرحه في " باب الخميصة السوداء " قريبا، وتقدم بيان الاختلاف في قوله صلى الله عليه وسلم لها: " أبلي وأخلقي " هل بالقاف أو الفاء، وقوله فيه: " خميصة سوداء " لا ينافي ما وقع في كتاب الجهاد أنه كان عليها قميص أصفر، لأن القميص كان عليها لما جيء بها، والخميصة هي التي كسيتها. وقوله في آخره " قال إسحاق " هو ابن سعيد راوي الحديث عن أبيه، وهو موصول بالسند المذكور، وقوله: " حدثتني امرأة من أهلي " لم أقف على اسمها، وقوله إنها رأته على أم خالد أي الثوب، ويستفاد من ذلك أنه بقي زمانا طويلا، وقد تقدم ما يدل على ذلك صريحا في " باب الخميصة". *3* الشرح: قوله: (باب النهي عن التزعفر للرجال) أي في الجسد، لأنه ترجم بعده " باب الثوب المزعفر " وقيده بالرجل ليخرج المرأة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ الشرح: قوله: (عن عبد العزيز) هو ابن صهيب. قوله: (أن يتزعفر الرجل) كذا رواه عبد الوارث وهو ابن سعيد مقيدا، ووافقه إسماعيل بن علية وحماد بن زيد عند مسلم وأصحاب السنن، ووقع في رواية حماد بن زيد " نهى عن التزعفر للرجال " ورواه شعبة عن ابن علية عند النسائي مطلقا فقال: " نهى عن التزعفر " وكأنه اختصره وإلا فقد رواه عن إسماعيل فوق العشرة من الحفاظ مقيدا بالرجل، ويحتمل أن يكون إسماعيل أختصره لما حدث به شعبة والمطلق محمول على المقيد، ورواية شعبة عن إسماعيل من رواية الأكابر عن الأصاغر. واختلف في النهي عن التزعفر هل هو لرائحته لكونه من طيب النساء ولهذا جاء الزجر عن الخلوق؟ أو للونه فيلتحق به كل صفرة؟ وقد نقل البيهقي عن الشافعي أنه قال: أنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، وآمره إذا تزعفر أن يغسله. قال: وأرخص في المعصفر لأنني لم أجد أحدا يحكي عنه إلا ما قال علي " نهاني ولا أقول أنهاكم " قال البيهقي: قد ورد ذلك عن غير علي، وساق حديث عبد الله بن عمرو قال: " رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما " أخرجه مسلما، وفي لفظ له " فقلت أغسلهما؟ قال لا بل أحرقهما " قال البيهقي فلو بلغ ذلك الشافعي لقال به اتباعا للسنة كعادته. وقد كره المعصفر جماعة من السلف ورخص فيه جماعة، وممن قال بكراهته من أصحابنا الحليمي، واتباع السنة هو الأولى ا هـ. وقال النووي في " شرح مسلم ": أتقن البيهقي المسألة والله أعلم، ورخص مالك في المعصفر والمزعفر في البيوت وكرهه في المحافل، وسيأتي قريبا حديث ابن عمر في الصفرة، وتقدم في النكاح حديث أنس في قصة عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وتقدم الجواب عن ذلك بأن الخلوق كان في ثوبه علق به من المرأة ولم يكن في جسده، والكراهة لمن تزعفر في بدنه أشد من الكراهة لمن تزعفر في ثوبه. وقد أخرج أبو داود والترمذي في " الشمائل " والنسائي في " الكبرى " من طريق سلم العلوي عن أنس " دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، فكره ذلك، وقلما كان يواجه أحدا بشيء يكرهه، فلما قام قال: لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصفرة " وسلم بفتح المهملة وسكون اللام فيه لين، ولأبي داود من حديث عمار رفعه " لا تحضر الملائكة جنازة كافر ولا مضمخ بالزعفران " وأخرج أيضا من حديث عمار قال: " قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرحب بي وقال اذهب فاغسل عنك هذا". *3* الشرح: قوله: (باب الثوب المزعفر) ذكر فيه حديث ابن عمر " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو زعفران". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ الشرح: حديث ابن عمر " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو زعفران " كذا أورده مختصرا، وقد تقدم مطولا مشروحا في كتاب الحج، وقد أخذ من التقييد بالمحرم جواز لبس الثوب المزعفر للحلال، قال ابن بطال: أجاز مالك وجماعة لباس الثوب المزعفر للحلال وقالوا: إنما وقع النهي عنه للمحرم خاصة، وحمله الشافعي والكوفيون على المحرم وغير المحرم، وحديث ابن عمر الآتي في " باب النعال السبتية " يدل على الجواز، فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة. وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن جعفر قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران " وفي سنده عبد الله بن مصعب الزبيري وفيه ضعف. وأخرج الطبراني من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبغ إزاره ورداءه بزعفران، وفيه راو مجهول، ومن المستغرب قول ابن العربي. لم يرد في الثوب الأصفر حديث، وقد ورد فيه عدة أحاديث كما ترى، قال المهلب: الصفرة أبهج الألوان إلى النفس، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس في قوله تعالى: الشرح: قوله: (باب الثوب الأحمر) ذكر فيه حديث البراء " كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا، ورأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه " وقد تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أتم سياقا من هذا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعاً وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ الشرح: قوله: (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (سمع البراء) هو ابن عازب، كذا قال أكثر أصحاب أبي إسحاق، وخالفهما أشعث فقال: " عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة " أخرجه النسائي وأعله الترمذي وحسنه، ونقل عن البخاري أنه قال: حديث أبي إسحاق عن البراء وعن جابر بن سمرة صحيحان وصححه الحاكم، وقد تقدم حديث أبي جحيفة قريبا، ويأتي وفيه " حلة حمراء " أيضا. ولأبي داود من حديث هلال بن عامر عن أبيه " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر " وإسناده حسن، وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال: " بسوق ذي المجاز " وتقدم في " باب التزعفر " ما يتعلق بالمعصفر، فإن غالب ما يصبغ بالعصفر يكون أحمر، وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال: الأول: الجواز مطلقا جاء عن علي وطلحة وعبد الله ابن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين. القول الثاني: المنع مطلقا لما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وما نقله البيهقي وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم " وهو بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث، وعن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبا معصفرا جذبه وقال: " دعوا هذا للنساء " أخرجه الطبري. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن " الحمرة من زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة " وصله أبو علي بن السكن وأبو محمد بن عدي، ومن طريق البيهقي في " الشعب " من رواية أبي بكر الهذلي وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه " أن الشيطان يحب الحمرة، وإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة " وأخرجه ابن منده وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا، فالحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل، وقد وقفت على كتاب الجوزقاني المذكور وترجمه " بالأباطيل " وهو بخط ابن الجوزي، وقد تبعه على ما ذكر في أكثر كتابه في " الموضوعات " لكنه لم يوافقه على هذا الحديث فإنه ما ذكره في الموضوعات فأصاب، وعن عبد الله بن عمرو قال: " مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وقال: لا نعلمه إلا بهذا الإسناد، وفيه أبو يحيى القتات مختلف فيه، وعن رافع بن خديج قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى على رواحلنا أكسية فيها خطوط عهن حمر فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد غلبتكم، قال فقمنا سراعا فنزعناها حتى نفر بعض إبلنا " أخرجه أبو داود، وفي سنده راو لم يسم، وعن امرأة من بني أسد قالت: " كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة، إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة، فجاء فدخل " أخرجه أبو داود وفي سنده ضعف. القول الثالث: يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد، وكأن الحجة فيه حديث ابن عمر المذكور قريبا في المفدم. القول الرابع: يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة، جاء ذلك عن ابن عباس، وقد تقدم قول مالك في باب التزعفر. القول الخامس: يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج، جنح إلى ذلك الخطابي واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن، وكذلك البرد الأحمر، وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج. القول السادس: اختصاص النهي بما يصبغ بالمعصفر لورود النهي عنه، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ، ويعكر عليه حديث المغيرة المتقدم. القول السابع: تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله؛ وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها، قال ابن القيم: كان بعض العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة يزعم أنه يتبع السنة، وهو غلط، فإن الحلة الحمراء من برود اليمن والبرد لا يصبغ أحمر صرفا. كذا قال. وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة، وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن. والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء كما سيأتي، وإن كان من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع حيث يقع ذلك، وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت. *3* الشرح: قوله: (باب الميثرة الحمراء) ذكر فيه حديث سفيان وهو الثوري عن أشعث وهو ابن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع " الحديث وفي آخره " وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق والمياثر الحمر " فالحرير قد سبق القول فيه، والديباج والإستبرق صنفان نفيسان منه، وأما المياثر فهي جمع ميثرة تقدم ضبطها في " باب لبس القسي" الحديث: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ الشرح: حديث سفيان وهو الثوري عن أشعث وهو ابن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع " الحديث وفي آخره " وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق والمياثر الحمر " فالحرير قد سبق القول فيه، والديباج والإستبرق صنفان نفيسان منه، وأما المياثر فهي جمع ميثرة تقدم ضبطها في " باب لبس القسي " وقد أخرج أحمد والنسائي وأصله عند أبي داود بسند صحيح عن علي قال: " نهي عن المياثر الأرجوان " هكذا عندهم بلفظ " نهي " على البناء للمجهول، وهو محمول على الرفع، وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان من طريق هبيرة بن يريم بتحتانية أوله وزن عظيم عن علي قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن لبس القسي، والميثرة الحمراء " قال أبو عبيد: المياثر الحمر التي جاء النهي عنها كانت من مراكب العجم من ديباج وحرير. وقال الطبري هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان وحكى في " المشارق " قولا أنها سروج من ديباج، وقولا أنها أغشية للسروج من حرير، وقولا أنها تشبه المخدة تحشى بقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبري، والأقوال الثلاثة يحتمل أن لا تكون متخالفة بل الميثرة تطلق على كل منها، وتفسير أبي عبيد يحتمل الثاني والثالث، وعلى كل تقدير فالميثرة وإن كانت من حرير فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير، وقد تقدم القول فيه، ولكن تقييدها بالأحمر أخص من مطلق الحرير فيمتنع إن كانت حريرا، ويتأكد المنع إن كانت مع ذلك حمراء، وإن كانت من غير حرير فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم، قال ابن بطال: كلام الطبري يقتضي التسوية في المنع من الركوب عليه سواء كانت من حرير أم من غيره، فكان النهي عنها إذا لم يكن من حرير للتشبه أو للسرف أو التزين، وبحسب ذلك تفصيل الكراهة بين التحريم والتنزيه، وأما تقييدها بالحمرة فمن يحمل المطلق على المقيد - وهم الأكثر - يخص المنع بما كان أحمر، والأرجوان المذكور في الرواية التي أشرت إليها بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة، وحكى عياض ثم القرطبي فتح الهمزة وأنكره النووي وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب، واختلفوا في المراد به فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة وهو نور شجر من أحسن الألوان، وقيل: الصوف الأحمر، وقيل: كل شيء أحمر فهو أرجوان. ويقال ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان، وحكى السيرافي أحمر أرجوان فكأنه وصف للمبالغة في الحمرة كما يقال أبيض يقق وأصفر فاقع، واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة؟ فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر فالمعني في النهي عنها ما في غيرها كما تقدم في الباب قبله، وإن قلنا لا يختص بالأحمر فالمعني بالنهي عنها ما فيه من الترفه، وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دنيوية، وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ثم لما لم يصر الآن يختصر بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة، والله أعلم.
|